حادث قناة السويس.. ما حجم الضرر على التجارة العالمية والشركات؟

أتت حادثة قناة السويس في ظل ضغوط تعيشها شبكة التجارة العالمية جراء المصاعب الاقتصادية التي أنتجتها، وما تزال، جائحة فيروس كورونا.

نجحت فرق الإنقاذ في تعويم السفينة جزئيا اليوم الاثنين (الأوروبية)

ما تزال التقديرات والتقييمات تتوالى بشأن تداعيات استمرار أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس المصرية على حركة التجارة العالمية، حيث تتكدس المئات من سفن البضائع والنفط بانتظار عودة الملاحة إلى أحد أنشط ممرات التجارة البحرية في العالم.

يأتي ذلك في وقت نجحت فرق الإنقاذ في تعويم السفينة اليوم الاثنين.

ومن أبرز تداعيات استمرار توقف حركة الملاحة في قناة السويس، تعطل حركة 321 سفينة داخل القناة، وهو ما يكبد الشركات الأوروبية خسائر فادحة جراء تأخر شحنات البضائع المستوردة من شرق آسيا، وأيضا خسائر المستهلكين الذين زاد إقبالهم على الشراء الإلكتروني للسلع جراء تأثيرات جائحة فيروس كورونا.

يقول كريس جورجس، كبير محللي التجارة في شركة "إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس" (S&P Global Market Intelligence) إن التداعيات قصيرة المدى لأزمة سفينة "إيفر غرين" الجانحة هي الانقطاعات المحتملة في وصول السلع الاستهلاكية للأسواق، وتضرر بعض القطاعات الصناعية من تأخر شحنات المواد والسلع التي تدخل في دورتها الإنتاجية.

وتأتي هذه الحادثة في ظل ضغوط تعيشها شبكة التجارة العالمية جراء المصاعب الاقتصادية، التي أنتجتها -وما تزال- جائحة فيروس كورونا.

مصاعب للأوروبيين

وثمة مخاوف حاليا من أن يؤدي حادث قناة السويس إلى مفاقمة المصاعب اللوجستية بالنسبة لأوروبا، من إلغاء رحلات سفن تجارية، ونقص الحاويات المتوفرة، وارتفاع أسعار الشحن البحري.

ويمر نحو 15% من حركة الشحن العالمية في قناة السويس، وقد زادت أسعار الشحن لناقلات المنتجات النفطية إلى المثلين تقريبا بعد جنوح السفينة.

ولتجاوز الأزمة الحالية، بدأت السفن التي كان من المقرر لها أن تصل إلى قناة السويس بتحويل وجهتها إلى مسار أطول (زيادة مدة الرحلات بنحو أسبوعين) وأكثر كلفة (تكاليف وقود إضافي)، وذلك باتجاه رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الأفريقية، لتفادي الانتظار لأيام أخرى ريثما تحل أزمة السفينة الجانحة.

وأدت حادثة السفينة الجانحة إلى تعطل حركة العشرات من ناقلات النفط، والتي تحمل في مجموعها قرابة مليوني برميل يوميا، وقالت شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) للأبحاث إن أزمة سفينة الحاويات الجانحة قد ترجئ تسليم نحو مليون طن من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، إذا استمر توقف الملاحة لأسبوعين.

سلاسل التوريد

وأعلنت الكثير من كبرى الشركات العالمية في أوروبا وأميركا وآسيا أن تأخر تسليم شحناتها العالقة، بسبب حادث السفينة، قد يؤدي لارتباك في السير العادي لعملية الاستيراد والتصدير؛ بل إن بعض الشركات مثل شركة "كاتربيلر" (Caterpillar) الأميركية لتصنيع المعدات، قالت إنها تفكر في تسيير رحلات جوية لشحن بعض المنتجات، إذا اقتضت الضرورة، وذلك في ظل استمرار توقف حركة الملاحة بقناة السويس.

ويقول خبراء إن نحو 45% من حجم البضائع في ميناء نيويورك ونيوجيرسي بالولايات المتحدة يمر عبر قناة السويس، وتقدر صحيفة "لويدز ليست" (lloydslist) البريطانية، المتخصصة في شؤون الشحن البحري، بأن ما يقارب 9 مليارات و600 مليون دولار من البضائع المعبأة في حاويات تمر عبر قناة السويس يوميا.

وقالت دراسة أجرتها شركة "أليانز" (Allianz) الألمانية للتأمين إن تعطل الملاحة بالقناة قد يكلف التجارة العالمية ما بين 6 و10 مليارات دولار أسبوعيا، وتتوقع شركة "موديز" للتصنيف الائتماني أن يكون قطاعا التصنيع وتوريد قطع غيار السيارات في أوروبا الأشد تضررا.

ورغم هذه المخاوف والخسائر، قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، في مؤتمر صحفي أمس، إنه لا يعتقد أن شركات النقل البحري ستتخلى عن استخدام القناة بسبب الحادث الحالي، مشددا على أن ما وقع يبقى حدثا استثنائيا، فالقناة عبرها العام الماضي أكثر من 18 ألف سفينة دون حدوث أي مشاكل.

400 مليون كل ساعة

ينقل موقع "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) الأميركي عن لارس ينسن، الخبير المستقل في شحن الحاويات بالدانمارك، قوله "إن هذه الأزمة سوف تؤثر بكل بساطة على كل السلع التي نراها في المحلات. إذ يمر حوالي 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وهي الممر المائي الذي يربط أوروبا بآسيا".
وتقول الكاتبة غرايس كاي في تقريرها بموقع بيزنس إنسايدر إن الخبراء نبهوا إلى أن حادث السفينة التي علقت بقناة السويس يكلف العالم 400 مليون دولار كل ساعة، وأن هذه السفينة العملاقة يمكن أن تستغرق أسابيع لاستئناف سيرها. وقد فضلت بعض السفن عبور الطريق الطويل قبالة سواحل جنوب أفريقيا، وهو ما يعني أسبوعين إضافيين في الوقت المستغرق لرحلتها. والسفينة العالقة تنقل حمولة بوزن 224 ألف طن.
وتضيف الكاتبة أنه حتى قبل أن تعلق سفينة إيفر غيفن وتسد هذا الممر، كانت الشركات تعاني من نقص في الإمدادات بسبب وباء كورونا.

شح السلع

وتشير إلى أن هذه الأزمة قد تؤثر على توفر العديد من السلع المستوردة، مثل ورق المرحاض والقهوة والأثاث، بجانب تقلبات أسعار النفط بالأسواق.
وتنقل الكاتبة عن براين بورك من مؤسسة "سيكو لوجيستيكس" (SEKO Logistics) لخدمات النقل، قوله إن أزمة قناة السويس سوف تزيد من الضغوط على تجار التجزئة الذين يسعون لإعادة ملء الرفوف.
ويضيف بورك "حادث جنوح السفينة جاء في أسوأ وقت على الإطلاق، في ظل حصول المواطنين الأميركيين على شيكات التحفيز الاقتصادي. ومن المعروف أنه بعد توزيع هذه المنح تحدث طفرة في الاستهلاك، وبالتالي قد نرى الفترة المقبلة شركات تنفد بضائعها بالكامل".

اضطراب شركات الشحن

يفيد تقرير لوكالة "رويترز" (Reuters) بأن كبرى شركات شحن الحاويات، قالت إن جنوح سفينة ضخمة في قناة السويس أدى إلى عرقلة قطاع الشحن الدولي، وهو أمر قد لا يزول أثره قبل أسابيع أو شهور.
وتمر نحو 30% من إجمالي حركة الشحن بالحاويات في العالم يوميا عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا ناقلة بضائع مثل الأرائك والإلكترونيات والملابس والأحذية. كما أن الحاويات الفارغة التي تحتاجها المصانع الآسيوية لشحن منتجاتها تعطلت أيضا أثناء توقف الملاحة في الممر المائي.

وقالت مجموعة "ميرسك" (Maersk) للشحن، وهي أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، في بيان استشاري للعملاء نشر، اليوم الاثنين، "حتى بعد إعادة فتح القناة، الآثار المضاعفة على القدرة والمعدات العالمية كبيرة".

وأضافت أن لها 3 سفن عالقة في القناة بخلاف 29 أخرى تنتظر الدخول، مضيفة أنها غيرت حتى الآن مسار 15 سفينة لتبحر بدلا من ذلك جنوبي القارة الأفريقية، وتابعت "بتقييم وضع التكدس الحالي للسفن، قد يستغرق عبور كامل الصف 6 أيام أو أكثر".

من جهتها قالت "إم إس سي" (msc) السويسرية، ثاني أكبر شركة شحن بالعالم، في تصريحات منفصلة السبت، إن الموقف "سيتسبب في أحد أكبر الاضطرابات لحركة التجارة العالمية في السنوات الماضية".

وقالت كارولين بكوارت، نائبة رئيس الشركة، في بيان "للأسف حتى بعد إعادة فتح القناة مع وجود عدد كبير من السفن المتأخرة في انتظار العبور، سيؤدي ذلك لتزاحم في الوصول لبعض الموانئ، وقد نشهد مشكلات اختناق جديدة".

وتابعت "نتصور أن الربع الثاني من 2021 سيشهد عراقيل أكثر من الأشهر الثلاثة الأولى، وربما يصبح الأمر أكثر تحديا وصعوبة عما كان نهاية العام الماضي".

وتعاني شركات الشحن حول العالم منذ أشهر من عراقيل وتعطل، تسببت به قيود مكافحة جائحة فيروس كورونا، وتزايد الطلب على سلع التجزئة؛ مما أدى لاختناقات لوجستية أوسع نطاقا حول العالم.

خسائر شركات التأمين

قالت وكالة "فيتش للتصنيفات الائتمانية" (Fitch Ratings) إن سد واحدة من أكبر سفن الحاويات في العالم لقناة السويس قد يكبد قطاع إعادة التأمين مئات الملايين من اليوروهات حتى مع نجاح فرق الإنقاذ في تعويم السفينة جزئيا، اليوم الاثنين، وفق ما أوردته رويترز.

وعلقت السفينة (إيفر غيفن) البالغ طولها 400 متر بالقناة صباح الثلاثاء الماضي إثر رياح قوية؛ مما أدى إلى توقف حركة الشحن في أقصر طريق للنقل البحري بين أوروبا وآسيا.

وقالت فيتش إن إغلاق قناة السويس سيقلص أرباح شركات إعادة التأمين العالمية، لكن لن يؤثر كثيرا على أوضاعها الائتمانية، في حين سترتفع أسعار إعادة التأمين البحرية أكثر.

وارتفعت أسعار الشحن على متن ناقلات منتجات النفط إلى ما يقرب من مثليها بعد أن توقفت حركة السفن وتعطلت سلاسل الإمداد العالمية، مهددة بتأخير باهظ التكلفة لشركات تعاني بالفعل من قيود كوفيد-19.

وأضافت فيتش "ستتوقف الخسائر نهاية المطاف على الفترة الزمنية، التي تحتاجها شركة الإنقاذ لحلحلة إيفر غيفن كليا، واستئناف حركة السفن الطبيعية؛ لكنها تُقدر أن الخسائر قد تصل ببساطة لمئات الملايين من اليوروهات".
وأوضحت فيتش أن جزءا كبيرا من الخسائر من المرجح إعادة التأمين عليه من مجموعة عالمية من شركات إعادة التأمين، مضيفة أن ذلك سيزيد الضغوط على أرباح النصف الأول من السنة.

المصدر : الجزيرة + وكالات + بلومبيرغ + بيزنس إنسايدر