الخطة الأميركية للسلام.. هل ترامب حصان طروادة "للمتدينين الإنجيليين"؟

U.S. President Donald Trump listens to Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu as they discuss a Middle East peace plan proposal in the East Room of the White House in Washington, U.S., January 28, 2020. REUTERS/Brendan McDermid
القاعة الشرقية في البيت الأبيض حيث أعلن ترامب ونتنياهو خطة السلام (رويترز)

محمد المنشاوي-واشنطن

"تغيرت أسس السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بصورة دراماتيكية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم، حتى إعلانه تفاصيل صفقة القرن". بهذه الكلمات تحدث دبلوماسي أميركي سابق عمل عقودا في الشرق الأوسط.

وأضاف الدبلوماسي في حديثه للجزيرة نت أن واشنطن لم تعد تصف النشاط الاستيطاني بأنه عمل غير شرعي، ولم تعد ترفض ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، ولا يرجع ذلك لتغير في الموقف السياسي، بل لاعتبارات دينية.

ولعقود طويلة اعتمد الدعم الأميركي للجانب الإسرائيلي على أسس جيو-إستراتيجية في الأساس، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، لكن مع وصول ترامب للحكم أصبح أساس دعم إسرائيل عائدا لمبررات دينية توراتية وإنجيلية.

وتعتقد ماريف زونزين خبيرة الشؤون الدينية أن "الكثير من الأيفانجاليكان المسيحيين ممن صوتوا لترامب يعتقدون أن وعد الرب لليهود بالعودة للأراضي المقدسة سيمهد للعودة الثانية للمسيح".

الناخبون الإنجيليون
وحصد ترامب في انتخابات 2016 أصوات 81% من الناخبين الإنجيليين، طبقا لاستطلاعات مركز "بيو" للأبحاث، ومن هنا يعود انتصار ترامب الانتخابي وفوزه بالبيت الأبيض إلى أصوات الإنجيليين أساسا.

ويرى البعض أن ترامب اختار نائبه مايك بنس ليفتح الباب واسعا أمام إقبال شديد من الطائفة الإنجيلية للتصويت له، ويتبنى بنس خطابا إنجيليا متشددا، فهو من أقصى اليمين المسيحي المؤيد لإسرائيل.

كما أن فريق ترامب لسلام الشرق الأوسط يضم يهودا متشددين دينيا، مثل جاريد كوشنر، وديفيد فريمان السفير بإسرائيل، وجيسون غرينبلات مبعوث عملية السلام، وإضافة إلى بنس، يعد وزير الخارجية مايك بومبيو من الإنجيليين المتشددين داخل إدارة ترامب.

وخلال مؤتمر عقد مؤخرا قال نائب الرئيس الأميركي "نحن ندعم إسرائيل بسبب الوعد التاريخي المقدس أن من يدعمهم الآن سينال بركة الرب".
 
داخل القاعة الشرقية
في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض، حيث أعلن الرئيس ترامب أمس صفقة القرن، جلس في الصف الأول الملياردير شيلدون أديلسون وبجواره زوجته ماريام.

والاثنان من بين أغنى الأزواج في العالم بثروة تفوق ثلاثين مليار دولار جمعاها من امتلاكهما وإدارتهما إمبراطورية من الكازينوهات وصالات القمار بمدينة لاس فيجاس بولاية نيفادا الأميركية.

وللزوجين علاقات وطيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس ترامب وعائلته، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018 قدم الرئيس ترامب للسيدة ماريام أديلسون أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة "وسام الحرية الرئاسي" لأعمالها الخيرية ومشروعاتها المؤيدة لإسرائيل.

وينفق الزوجان الكثير من أموالهما لدعم كنائس إنجيلية تدعم إسرائيل، من هنا لم يكن مستغربا وجود عدد من أكثر القساوسة الإنجيليين نفوذا داخل القاعة الشرقية التي شهدت إطلاق خطة ترامب المعروفة بصفقة القرن.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن التيارات المسيحية المحافظة الإنجيلية اكتسبت نفوذا كبيرا في البيت الأبيض عقب وصول ترامب للسلطة، إذ إن بعض هذه التيارات يعقد جلسة أسبوعية لأداء الصلاة المسيحية مع الرئيس ترامب داخل البيت الأبيض.

ومن بين الحاضرين جاء القساوسة جون هاجي ولادور وروبرت جيفريس، وهم من أكثر القساوسة الإنجيليين تطرفا وعنصرية في دعمهم الأساطير الإنجيلية حول إسرائيل والأراضي المقدسة.

أفكار ومواقف
خطوط عريضة يجتمع حولها أنصار هذا التيار، المعروف بدعمه غير المحدود وغير المشروط لإسرائيل، في وقت لا يكترث فيه بأي من حقوق الفلسطينيين المنطقية والمشروعة، والمتفق عليها حتى بين أغلبية الإسرائيليين.

ولفهم رؤية هذا التيار المهم الذي تتبع الأغلبية العظمى من أنصاره (هناك استطلاعات تقدرهم بأكثر من خمسين مليون أميركي) العقيدة البروتستانتية؛ يجب فهم تأثر البروتستانتية باليهودية، إذ نتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بينهما بصورة عامة، وأوجدت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.

وتتميز الحركة المسيحية الصهيونية بسيطرة الاتجاه الأصولي، وتؤمن "بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، كل فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه مملكة الألف عام"، كما يضيف الدبلوماسي السابق في حديثه للجزيرة نت.

وكان القس هاجي أسس عام 1981 حركة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، وهي إحدى أهم المنظمات الداعمة للمساعدات العسكرية لإسرائيل ولضم الضفة الغربية ولعداء دائم مع إيران، وعدد أعضائها يتخطى ثمانية ملايين.

صلوات واحتفالات
وخلال احتفالية افتتاح سفارة الولايات المتحدة بالقدس قبل عامين شارك القس هاجي بتلاوة الصلوات الختامية في الاحتفال، أما القس روبرت جيفريس فقد بدأت به صلوات الاحتفال داخل السفارة الأميركية في القدس.

وعقب إعلان ترامب خطته، عبّر القس الإنجيلي جويل روزينبرج ومؤسس تحالف "سلام القدس" في صحيفة "المسيحية اليوم" عن سعادته، ووصف مراسم الإعلان بأنها "أكثر من ممتازة، لكنني أعتقد أن خطة ترامب كانت كريمة مع الفلسطينيين"، أما القس هاجي فتحدث بقوة ضد فكرة منح دولة للفلسطينيين.

من ناحيته، امتدح رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتون كلاين الخطة، وقال إنها اعترفت بحق إسرائيل في ضم أراض لها خصوصية وروابط تاريخية بين وطن وأراضي أجداد الشعب اليهودي، كما جاء في بيان للمنظمة وصل للجزيرة نت.

وامتدح كلاين إشارة الخطة إلى "روابط الشعب اليهودي المقدسة بمدينة القدس الموحدة غير المقسمة، وأن الخطة أشارت بوضوح إلى توطين اللاجئين خارج إسرائيل".
 
ترامب حصان طروادة
منذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن -ومن بعده كل رؤساء وزراء إسرائيل- إدراك أهمية التواصل والتحالف مع الإنجيليين والإيفانجاليكان.

وكانت البداية مع القس ذي النفوذ الواسع جيري فالويل، الذي آمن بضرورة لعب مرتادي الكنائس دورا سياسيا أكبر.

وبالتعاون مع القس بيلي حراهام، دعم فالويل حركة واسعة لتأكيد العلاقات الخاصة التي تجمع المسيحيين واليهود (جوديوكرستيان) كأساس لهوية وتوجه الولايات المتحدة.

وقبل أسبوعين شهدت مدينة ميامي بولاية فلوريدا تدشين حركة "إنجيليين من أجل ترامب"، وهو تحالف من جماعات مسيحية بروتستانتية يهدف إلى دعم إعادة انتخاب ترامب.

وترى الكاتبة ميشيل جولدبرغ من صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترامب غير المتدين هو حصان طروادة لليمين المسيحي الإنجيلي الذي يريد السيطرة على السياسة الأميركية.

المصدر : الجزيرة